إشارات تركية متكررة بالتقارب.. فماذا تنتظر مصر؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) والرئيس التركي رجب طيب أردوغان (الجزيرة)

واصلت تركيا نهجها في إطلاق تصريحات إيجابية تجاه مصر، خاصة منذ حديث الرئيس رجب طيب أردوغان في سبتمبر/أيلول الماضي عن إمكانية إجراء بلاده محادثات استخباراتية مع مصر في أي وقت.

كان ذلك التصريح ردا على سؤال صحفي بشأن وجود اتصالات مع مصر، فيما يتعلق بتحديد مناطق الصلاحية البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط بين البلدين.

وامتدادا لتلك التصريحات؛ أعلن المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، أن أنقرة "يمكنها فتح صفحة جديدة في علاقاتها مع مصر وعدد من دول الخليج".

وفي تصريحات نشرتها وكالة بلومبيرغ الأميركية أمس الاثنين، وصف قالن مصر بأنها "قلب وعقل العالم العربي ولديها دور مهم في المنطقة".

وبشأن القضايا التي يرغب الجانبان في حلها، أوضح قالن "نحن مهتمون بالتحدث مع مصر حول القضايا البحرية في شرق المتوسط، بالإضافة إلى قضايا أخرى في ليبيا وعملية السلام والقضية الفلسطينية".

وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أعلن في ديسمبر/كانون الأول الماضي أن بلاده ومصر "تسعيان لتحديد خارطة طريق بشأن علاقاتهما الثنائية".

 

الموقف المصري

الموقف التركي الرسمي واضح في رغبته في إعادة التواصل مع مصر، لكن ماذا عن الموقف المصري الرسمي من هذا التقارب الذي تصفه الصحف المصرية بالغزل التركي؟

هذه التصريحات تراها مصر غير كافية، وفق مسؤول رفيع في وزارة الخارجية المصرية، فضل عدم ذكر اسمه، قال "إننا نسمع تصريحات جميلة كل فترة على لسان مسؤولين أتراك، لكنها وحدها ليست كافية، ويجب ترجمتها على الأرض بشكل حقيقي وجاد".

وكشف المسؤول المصري أن تركيا تعلم جيدا ما عليها فعله من أجل عودة العلاقات بين البلدين، مضيفا "وإذ كنا نرحب بمثل تلك التصريحات، ولكن لا نبني عليها أي خطوة ما لم نر خطوات حقيقية من قبل أنقرة".

وأكد أن هناك الكثير من الملفات التي تتعلق بالقضايا الإقليمية يجب أن تحل، مشيرا إلى أن هناك توجها تركيا واضحا بشأن الرغبة في عودة العلاقات، و"لكننا نقول لهم أثبتوا حسن نواياكم".

 

الطاقة والحدود البحرية

وشهدت الأيام الماضية تزايد التصريحات الإيجابية التركية تجاه مصر، وقبل يومين أشاد وزير الدفاع التركي باحترام مصر للجرف القاري لبلاده خلال أنشطتها للتنقيب في البحر المتوسط، ووصفه بأنه تطور مهم للغاية.

ونقلت وكالة الأناضول عن الوزير التركي قوله إن القرار المصري المتمثل باحترام الصلاحية البحرية التركية بالمتوسط "يصب كذلك في مصلحة حقوق ومصالح الشعب المصري"، مضيفا أن لدى بلاده قيما تاريخية وثقافية مشتركة مع مصر.

كما لم يستبعد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن تتفاوض تركيا ومصر على ترسيم الحدود في شرق البحر المتوسط، إذا سمحت العلاقات بينهما بمثل هذه الخطوة.

وصرّح جاويش أوغلو خلال مؤتمر صحفي في أنقرة مع نظيره الجورجي، قبل أيام، بأن عروض التنقيب التي طرحتها مصر احترمت الجرف القاري لتركيا، وأن بلاده نظرت إلى هذا الأمر نظرة إيجابية.

وكانت مصر قد أعلنت الشهر الماضي طرح مزايدة للتنقيب عن النفط والغاز في 24 منطقة، بعضها في البحر المتوسط.

قضايا جوهرية

لكن بعيدا عن الخلافات الجوهرية بين البلدين في العديد من القضايا الإقليمية التي تتعلق بالحدود البحرية والأزمة في ليبيا، هناك خلافات أخرى لا يمكن القفز عليها قبل حلها أولا، وهي موقف أنقرة من شرعية نظام السيسي.

كما تستضيف تركيا رموز المعارضة المصرية على أرضها، فضلا عن القنوات الفضائية المعارضة لنظام السيسي، والذي تحدث أكثر من مرة منتقدا الدول التي توفر الملاذ للمنصات الإعلامية المعارضة.

ومن هنا يبرز سؤال لا يقل أهمية عن مسار العلاقات بين البلدين في ظل تلك اللهجة التركية التصالحية، وهو حدود وأبعاد ذلك التطبيع الذي تريده تركيا مع مصر، وهل تعترف بنظام الرئيس السيسي، وهل نشهد سفيرا تركيا جديدا يحلف اليمين بقصر الرئاسة في القاهرة؟

هذه هي نقطة الخلاف الجوهرية بين مصر وتركيا، وفق النائب السابق بالبرلمان التركي، رسول طوسون، مشيرا إلى أن "موقف تركيا من الانقلاب العسكري الذي خلف آلاف الضحايا معروف لدى الجميع، ماعدا ذلك مصر دولة شقيقة وشعبها شعب شقيق".

لكن البرلماني التركي السابق، يرى في تصريح للجزيرة نت أن السلام والاستقرار الإقليميين أكبر وأنفع من الخلاف المذكور، لافتا إلى أن تركيا بغض النظر عن موضوع الانقلاب مستعدة لفتح صفحة جديدة مع مصر.

وشدد طوسون على أن الخلاف يضر مصر وتركيا، لكن الفوضى تضر المنطقة بأكملها، لذلك جاءت الخطوة الأولى من تركيا، وعلى مصر أن ترد ردا إيجابيا بعد ذلك تتطور الخطوات.

منذ اللحظات الأولى للانقلاب العسكري في مصر صيف 2013 بقيادة وزير الدفاع وقتها عبد الفتاح السيسي، عارضت أنقرة بقوة الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي، انطلاقا من موقفها الرافض للانقلابات باعتبارها خيار غير ديمقراطي، مما أدى إلى تدهور العلاقات بين البلدين، لكن العلاقات التجارية والاقتصادية بينهما استمرت بشكل طبيعي.

غزل سياسي

وفي غياب ردود رسمية واضحة من مصر على التصريحات التركية الأخيرة، بدا أن القاهرة تركت الرد إلى وسائل إعلام مقربة من السلطة، حيث خصص الإعلامي أسامة كمال حلقة من برنامجه على قناة المحور لقضية العلاقات مع تركيا، معتبرا أن مصر يجب أن تنظر إلى مصالحها التي تعتقد أنها ليست مع الأتراك.

كما تحدث مدير تحرير صحيفة الأهرام أشرف العشري عما وصفها بقائمة مطالب مصرية لقبول الحوار مع تركيا تتضمن إغلاق ما وصفها بـ "المنصات الإعلامية المعادية وتسليم قيادات جماعة الإخوان المسلمين".

كما نشر المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية الذي يعتقد أنه قريب من جهات سيادية مصرية حيث يرأسه الخبير الأمني العميد خالد عكاشة، ورقة بحثية تحدثت عما أسمته بـ"الغزل السياسي" التركي لمصر، مؤكدة أن الموقف المصري يرتبط بما أعلنه وزير الخارجية سامح شكري من ضرورة توافق التصريحات التركية مع السياسات.

وحسب الورقة التي أعدتها نوران عوضين ونشرت الثلاثاء، فإن هناك 3 محددات رئيسية من وجهة النظر المصرية تعرقل إتمام التعاون التركي المصري، أولها الموقف التركي من "ثورة 30 يونيو" والثاني هو رفض التدخلات التركية في الإقليم، والثالث رفض الممارسة التركية الاستفزازية في منطقة الشرق الأوسط.

وربطت الدراسة حدوث تقارب حقيقي بين مصر وتركيا باتخاذ الأخيرة لعدة خطوات منها سحب قواتها من ليبيا وإغلاق قنوات المعارضة المصرية التي تبثها من تركيا وتسليم المطلوبين من قيادات جماعة الإخوان، بل والتوقف عن انتهاك السيادة الإقليمية لكل من العراق وسوريا والتوقف عن انتهاك السيادة البحرية لكل من قبرص واليونان.

سيناريوهات التقارب

في المقابل، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور عصام عبد الشافي، أن مستقبل العلاقات بين مصر وتركيا وسيناريوهات التقارب تحكمها ملفات معقدة، من بينها الموقف التركي الرسمي من الانقلاب العسكري في مصر 2013، ووجود عدد من قيادات المعارضة المصرية وقنواتها الإعلامية في تركيا، وكذلك تعارض دور تركيا مع الدور المصري في ليبيا، والسياسة المصرية في شرق المتوسط.

وأضاف عبد الشافي للجزيرة نت، وكذلك المواقف المصرية في قضايا سوريا والعراق، بجانب دور الطرف الإماراتي الداعم للنظام المصري في خلق الكثير من الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية للنظام التركي، بجانب تداعيات أزمة حصار قطر، والدور التركي الداعم لقطر في مواجهة دول الحصار ومن بينها مصر.

وفي مواجهة هذه الاعتبارات، ومع تعدد التصريحات الرسمية سواء من تركيا أو مصر المرحبة بتعزيز العلاقات -والحديث لا يزال للأكاديمي المعارض للسلطة الحالية في مصر- إلا أن هذا مجرد تحول تكتيكي ولن يستمر، فالكل مدفوع بتغير الإدارة الأميركية، ووصول بايدن للسلطة.

وختم حديثه بالقول إن الغريب في الأمر خروج بعض المسؤولين المصريين -وهم في موقف ضعف- يتحدثون عن مطالبة تركيا بتقديم ضمانات وأفعال عملية على جدية تقاربها مع النظام المصري، مضيفا "وكأن تركيا هي التي تحتاج للنظام الهش في مصر، وليس العكس"، بحسب وصفه.

المصدر : الجزيرة