هل من دور ممكن للصين في حل أزمة سد النهضة؟ وما أوراق الضغط المصرية على بكين؟

Ethiopia's Grand Renaissance Dam is seen as it undergoes construction work on the river Nile in Guba Woreda
الصين من الدول التي تحظى بعلاقات جيدة مع إثيوبيا (رويترز)

القاهرة- شهدت الأيام الماضية سلسلة من التصريحات والأحداث التي تشير إلى العلاقة الجيدة بين مصر والصين، ما دفع البعض للتساؤل عما إذا كانت هذه العلاقة يمكن أن تساهم بشكل إيجابي في مساعدة مصر على حل أزمة سد النهضة الإثيوبي، التي باتت تهدد أمنها وحقوقها المائية في نهر النيل.

وقبل يومين أبرز الإعلام المصري تصريحات لسفير الصين بالقاهرة، لياو ليتشيانغ، قال فيها "إن الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين مصر والصين تشهد تطورا سريعا في مختلف المجالات، وتقوم على أساس دعم المصالح المشتركة وتعزيز التنسيق السياسي".

كما اعتبر خبراء مصريون، أن العلاقات المصرية الصينية تشهد حاليا "تطورا كبيرا"، وتمر بـ"عصرها الذهبي"، بعد مرور 65 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

ونوّه الخبراء خلال ندوة عقدتها مؤسسة دار المعارف الصحفية، بما وصفوه بـ "الحضور اللافت" للشركات الصينية في المشروعات المصرية.

وقبل ذلك كشف المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد حافظ، عن اتصال هاتفي جرى الجمعة الماضية بين الوزير سامح شكري، ونظيره الصيني "وانغ يي" تناول عدة قضايا مشتركة، وتطرق الحديث بشكل مطول ومُعمق إلى ملف سد النهضة الإثيوبي من كافة جوانبه وأبعاده.

فهل يعني كلام حافظ، الذي جاء ضمن بيان رسمي للوزارة، أن مصر تأمل في أن تضطلع الصين بدور في حلحلة أزمة سد النهضة، التي باتت تمثل عبئا ثقيلا على مصر بسلطتها وشعبها؟.

وهل تستجيب الصين التي تمتلك استثمارات ضخمة في إثيوبيا لمطالب مصر؟ وما أوراق الضغط التي تملكها مصر لدفع الصين في اتجاه تبني وجهة نظرها، أو على الأقل التوسط لدى أديس أبابا للتخفيف من تعنتها وإصرارها على الذهاب في المشروع إلى أبعد مدى بدون اتفاق مع مصر والسودان؟.

خريطة الاستثمارات الصينية

الدكتورة نادية حلمي، أستاذة العلوم السياسية بجامعة بني سويف، وخبيرة الشؤون الصينية والآسيوية، ذكرت أن خريطة الاستثمار داخل مشروعات سد النهضة تشير بوضوح إلى حجم التأثير الصيني في صناعة القرار الإثيوبي.

وطبقا لوجهة نظر مراكز الفكر البيئية الصينية المهتمة، التي تدخل دراسة أزمة سد النهضة ضمن حدودها البحثية لصانع القرار في الصين؛ فإن خبرة بكين في إدارة السدود تمكنها من مساعدة مصر وإثيوبيا والسودان على التوصل لاتفاق مُرضٍ للجميع، حسبما جاء في دراسة منشورة لحلمي.

ورأت حلمي أن علاقات الصين القوية مع القاهرة وأديس أبابا، وبحكم تمويلها لمشروعات تنموية كبيرة في البلدين تؤهلها لتكون وسيطا قد يساعد في إعادة بناء الثقة بين مصر وإثيوبيا، والوصول لصيغة توازن بين الطموحات الإثيوبية والحقوق التاريخية لمصر.

قدرة على الضغط بدون إرادة

بينما يؤكد الصحفي الخبير بالشؤون الصينية عادل صبري للجزيرة نت، أن الصين تمتلك بالفعل القدرة على الضغط على إثيوبيا؛ لكن ليس لديها الإرادة لذلك، لأنها تعمل بشكل براغماتي عملي، وتحاول أن تبتعد عن نقاط الخلاف بين أطراف الأزمة؛ لذا تتملص من أي محاولة مصرية لإدخالها كوسيط جدي في المفاوضات حول السد.

ويضيف أن مصالح الصين في إثيوبيا أكبر بكثير من مصر والسودان، فالشركات الصينية لديها مشروعات لزراعة مليوني فدان بإثيوبيا، وتدخل في صناعات ستستفيد من الكهرباء المنتجة من سد النهضة، وكذلك ستستخدم تلك الكهرباء في خطوط السكك الحديدية، التي ستدشنها بين جيبوتي وأديس أبابا بالتنسيق مع دولة الإمارات.

وكذلك تنظر بكين كما يقول صبري إلى إثيوبيا بوصفها قلب أفريقيا، وقد نجحت من خلال أديس أبابا بالدخول إلى جيبوتي، وبنت هناك قاعدة عسكرية، وكانت نقطة انطلاقها إلى كينيا وزامبيا وزيمبابوي، حيث تساهم في مشروعات إنشاء السكك الحديدية ومسارات الطرق بتلك البلدان.

تخشى مصر من نقص حصتها من مياه النيل بسبب السد الإثيوبي (الجزيرة)

مصر لا تملك أوراق ضغط

الصين للأسف -يكمل صبري- تقف إلى الجانب الإثيوبي، ومصر والسودان لا تملكان أية أوراق للضغط؛ بل العكس هو الصحيح، فالصين قدمت عدة قروض لمصر منها ما يعادل 3.5 مليارات دولار (منحت بالعملة الصينية اليوان) لدعم احتياطي البنك المركزي، إضافة إلى قروض لتمويل البرج الأيقوني بالعاصمة الإدارية وقطار المونوريل فائق السرعة.

بينما فقدت الصين مكانتها التي كانت تتبوؤها بالسودان في التسعينيات بعد دخولها مع البشير فيما عرف باتفاق النفط مقابل المشروعات؛ لكن ذلك انتهى بعد فقدان الخرطوم السيطرة على النفط لصالح جنوب السودان، على حد قوله.

باختصار الصين قللت اعتمادها على مصر، بعد أن دشنت مراكز صناعية كالسيارات في كينيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا، وحتى ورقة الضغط المتمثلة في كون مصر أول دولة اعترفت بالصين منتصف الخمسينيات، فقدت بريقها لدى صناع القرار من الجيل الجديد، حتى لو قدروا ذلك، فإنهم لا يعيشون عليه، على حد قول صبري.

أسباب غياب بكين

وفسر أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، الدكتور محمد حسين، غياب بكين عن أزمة بهذا العمق في أفريقيا برغبتها في عدم تعريض علاقاتها القوية مع مصر والسودان وإثيوبيا للخطر، إذا استشعر طرف انحيازها للآخر.

وأكد حسين للجزيرة نت أن وجود مصلحة مباشرة للصين في اكتمال مشروع السد من حيث الاستثمارات القائمة حوله، تجعل منها طرفا غير محايد -على الأقل في نظر مصر والسودان- حتى لو أعلنت أو أعلنوا غير ذلك.

خطط بديلة

لكن بكين ربما تخطط لاكتمال السد بدون معوقات أو صراعات، وفي الوقت نفسه تحافظ على علاقاتها بمصر والسودان، من خلال مجموعة منح وقروض لتمويل خطط في البلدين لتحسين وتعظيم إدارة الموارد المائية، لمواجهة النقص الكبير المتوقع في حصصهما من المياه، على حد قوله.

يذكر أن حوالي نصف ديون إثيوبيا الخارجية مستحقة للصين، حيث يبلغ الدين الحكومي لبكين 59% من إجمالي ما اقترضته حتى الآن، حسبما رصدت مبادرة أبحاث الصين في أفريقيا بجامعة جونز هوبكنز بالولايات المتحدة.

ونجح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عام 2018 في التوصل إلى اتفاق مع الصين لهيكلة فترة سداد القروض من 10 إلى 30 عاما.

كما وقعت بكين وأديس أبابا مذكرة تفاهم بشأن إقامة آلية حماية لأمن المشروعات الرئيسة في إطار مبادرة الحزام والطريق في إثيوبيا، ويتوقع الخبراء أن يؤدي الاتفاق دورا مهما في تعزيز الأمن وسير العمل الطبيعي للاستثمارات الصينية في إثيوبيا.

وما زالت مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى، يتبادلون الاتهامات بالمسؤولية عن تعثر المفاوضات حول سد النهضة، الذي تقيمه الأخيرة على النيل الأزرق الرافد الأكبر لنهر النيل.

وتسعى مصر والسودان إلى تدخل مجلس الأمن بالقضية؛ إلا أن إثيوبيا أرسلت رفضها لمجلس الأمن بزعم أن الأمر برمته خارج اختصاصاته.

المصدر : الجزيرة