هل غامرت واشنطن بعلاقاتها مع حلفائها الأوروبيين بتجسسها على ميركل؟

باحث بمعهد السياسات الخارجية في ستوكهولم رأى أن عملية التجسس لن تؤثر في العلاقات الإستراتيجية بين دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

تسبب إعلان نتائج تحقيق سرّي داخل جهاز المخابرات الدفاعية الدانماركي (FE) في الإحراج لكوبنهاغن أمام جاراتها الأوروبيات بعدما كشف التحقيق عن مساعدتها لواشنطن في التجسس على قادة وسياسيين أوروبيين بارزين من بينهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

التحقيق السرّي حمل اسم "عملية دنهامر" وعمل على تحليل ومراقبة المعلومات التي اطلعت عليها وكالة الأمن القومي الأميركية (NSA) بين عامي 2012 و2014، حيث تبين أن الجهاز اطلع على بيانات سرية لدول مجاورة للدانمارك كما عمل على مراقبة اتصالات ورسائل وتحركات شخصيات سياسية وبرلمانية في كل من السويد والنرويج وألمانيا وفرنسا.

الوكالة الأميركية استغلت في تجسسها على المسؤولين الأوروبيين "اتفاقية الكابل" المبرمة بين الدانمارك والولايات المتحدة في تسعينيات القرن الماضي، فكيف تم ذلك؟

 

وفقا للتحقيق الذي يشمل الأعوام من 2012 حتى 2014 استخدمت الوكالة الأميركية كابلات دانماركية خاصة بالمعلومات للتجسس على مسؤولين أوروبيين كبار، منهم الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير الذي كان وزيرا للخارجية آنذاك، وزعيم المعارضة السابق في ألمانيا بيير شتاينبروك، فضلا عن ميركل.

وتستضيف الدانمارك، الحليف المقرب من الولايات المتحدة، عددا من محطات الإنزال لكابلات الإنترنت البحرية من وإلى السويد والنرويج وألمانيا وهولندا والمملكة المتحدة.

وأشار تقرير لهيئة الإذاعة والتلفزيون الدانماركية نشر الأحد الماضي إلى وجود هذا التجسس ومعرفة الاستخبارات الدانماركية به منذ عام 2015، بعد تحذير أحد المسربين من استغلال الأميركيين لخطوط كابلات سرّية جدا للتواصل بين الجانبين.

و"اتفاقية الكابل" المبرمة بين البلدين، أواخر تسعينيات القرن الماضي، تنص على سماح الدانمارك للولايات المتحدة بالوصول إلى كابلات الاتصالات السلكية واللاسلكية التي تمر من الدانمارك، بغرض مراقبة روسيا والصين.

الأوروبيون مستاؤون

من جانبهم انتقد عدد من القادة والمسؤولين الأوروبيين عملية التجسس الأميركية التي كُشف عنها، وعدّوها أمرًا خطِرا وغير مقبول.

وانتقد كل من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مراقبة وكالة الأمن القومي الأميركية للحلفاء في أوروبا عبر كابلات الإنترنت الدانماركية.

وحسب الراديو الدانماركي فإن ماكرون وصف بعد اجتماع له مع ميركل -التي تتفق معه في انتقاداته لوكالة الأمن القومي الأميركية- الأمر بـ"غير المقبول" بين الحلفاء و"غير المتوقع" بين الشركاء الأوروبيين. ويتوقع الزعيمان الحصول على تفسير من الولايات المتحدة الأميركية والدانمارك بشأن ما حدث.

رجل إطفاء يغلق الهاتف في وجه المستشارة أنغيلا ميركل
ميركل لم تكن الوحيدة التي شملها التجسس الأميركي على قادة أوروبيين (دويتشه فيله)

بدورها استنكرت التجسس السويد الجارة القريبة التي تربطها بالدانمارك علاقات قوية وتعاون في مجالات متعددة، فأجرى وزير الدفاع السويدي بيتر هولتغفست اتصالات بنظيره الدانماركي مطالبًا إياه بتوضيحات بشأن المعلومات التي حصلت عليها وكالة الأمن القومي الأميركية، الأمر الذي دفع الحكومة الدانماركية للتوضيح واعتبار ما قامت به الاستخبارات "غير مقبول"، على حد وصفها.

وقال وزير الدفاع السويدي خلال مقابلة أجراها الأحد الماضي مع التلفزيون السويدي، "أجرينا اتصالات مع وزير الدفاع الدانماركي وسألناه عما إذا استُخدمت أنظمة الدانمارك وأجهزتها للتجسس على ستوكهولم وشخصيات عالية في الدولة، كذلك طلبنا معرفة المعلومات التي تم التنصت عليها".

"الجزيرة نت" اتصلت بمكتب وزير الدفاع السويدي لإجراء مقابلة معه بشأن عملية التجسس، لكن الرد جاء بأن الوزير صرّح بكل ما لديه من معلومات حتى الآن للتلفزيون السويدي ولا يوجد جديد ممكن التصريح به.

لا تهديد للعلاقات

الباحث في السياسات الدولية ودور الاتحاد الأوروبي في الدفاع والأمن بمعهد السياسات الخارجية في ستوكهولم، كالى هوكنسون، عدّ أن ما حدث يمكن أن يُرى على أنه أمر محرج لكل من الدانمارك والولايات المتحدة كون السويد والدول الأخرى التي تم التجسس عليها تربطها مع الدولتين شراكات قوية وعلاقات جيدة.

التجسس على القادة الأوروبيين
الاستخبارات الدانماركية على علم بالتجسس الأميركي منذ عام 2015 (غيتي)

وقال هوكسنون، في تصريح للجزيرة نت، "ولكن بعض الدول التي تمتلك القدرات والإمكانات الكبيرة لا ترى حرجا في أن تستغل تلك القدرات والإمكانات لمصلحتها وإن كانت تجمعها بالحلفاء الذين تتجسس عليهم علاقات قوية".

حادثة التنصت رآها بعضهم على أنها حدث من شأنه أن يهدد العلاقات والتعاون بين البلدان لكن هوكنسون يرى عكس ذلك، ويقول إن ما حدث يبقى بين الدول المعنية وسينتهي على ما هو عليه ولن يؤثر في العلاقات بين العواصم، فالتعاون بين دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لن يتأثر ولكن تنشأ هناك جدالات سياسية لا أكثر أما المصالح العسكرية والاستخباراتية فستبقى على حالها.

وأضاف أن ستوكهولم ستستمر في علاقاتها وتعاونها مع الولايات المتحدة ضمن سياسة الدفاع والاستخبارات كما ذكر وزير الدفاع السويدي وأن هذا الحدث لن يصل إلى نقاشات على مستوى الاتحاد الأوروبي وإنما هو شأن بين الدول المعنية في ما بينها.

التجسس على الأصدقاء

بدورها قالت إيفا فلاي فهولم، المتحدثة باسم الحزب اليساري الدانماركي "إنهيدسلين"، للإذاعة الدانماركية إن "على وزير الدفاع أن يعتذر وأن يتثبت من عدم حدوث ذلك مرة أخرى".

وحسب الراديو الدانماركي فإن أحزابا في المعارضة الدانماركية انتقدت التجسس وقالت إنه يمكن للدانمارك المساعدة بالتعقب والتجسس لكننا لا نريد أن يكون ذلك على الأصدقاء.

في حين رفضت وزيرة الدفاع الدانماركية ترين برامسن إجراء مقابلة معها بخصوص الموضوع، لكنها كتبت إلى الراديو الدانماركي "أن التنصت على الحلفاء المقربين أمر غير مقبول، وأعتقد أن الحكومات المتعاقبة كانت وما زالت متفقة بهذا الخصوص".

يذكر أن حادثة التنصت على المسؤولين الأوروبيين تمت في عهد الحكومة قبل السابقة للدانمارك، وربما تكشف الأيام المقبلة عن مدى خطورة البيانات التي اطلعت عليها واشنطن ويحدد ذلك ما ستؤول إليه الأمور.

المصدر : الجزيرة