علماء دين مغاربة يتصدون فكريا للخطاب "المتطرف"

الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء الدكتور أحمد عبادي يقدم دفاتر تفكيك خطاب التطرف
جانب من ندوة عقدتها الرابطة المحمدية لتقديم أبحاث "دفاتر تفكيك خطاب التطرف" (الجزيرة)

الجزيرة نت-الرباط

أصدرت الرابطة المحمدية لعلماء المغرب (مؤسسة رسمية لعلماء الدين) مجموعة من الأبحاث تقول إنها تدحض مجموعة من المفاهيم والمصطلحات التي تشكل المستند الأيديولوجي لما سمتها "الجماعات المتطرفة" ولا تمت للإسلام بصلة.

وقام علماء الرابطة -في هذا الإطار- بمواجهة علمية لمقولات تنظيم الدولة الإسلامية من أجل تفكيك وتدمير "المفاهيم ذات الصبغة الشرعية" التي تعتمدها لتبرير "حملات الفرقة والعنف" وعمليات "الذبح والسفك والقتل" التي تقوم بها باسم الإسلام.

وتعرضت الدفاتر العلمية المنشورة على الموقع الرسمي للرابطة لقضايا ما زالت مثار جدل في العالم الإسلامي، من قبيل مفهوم الجهاد والجزية، والحاكمية، والقتال، والنصرة ودولة الخلافة، والدولة الإسلامية، بالإضافة إلى موضوع "تهافت الخطاب المتطرف".

‪الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء الدكتور أحمد عبادي يقدم دفاتر تفكيك خطاب التطرف‬ (الجزيرة)
‪الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء الدكتور أحمد عبادي يقدم دفاتر تفكيك خطاب التطرف‬ (الجزيرة)

مواجهة علمية
وارتكزت أهم المبادئ الأساسية في أبحاث العلماء -التي تقول الرابطة إنها تدحض خطاب من يوصفون بأنهم "متطرفون"- على أن الجهاد من المفاهيم الجليلة التي تم تشويه فهممها وجرى تحويلها إلى "أداة قتل ورعب"، في حين أن القراءة الأصيلة للنصوص القرآنية تظهر "أن الجهاد لا يعني بالضرورة الحرب".

وأضاف العلماء أن "علة مشروعية القتال في الإسلام محصورة في كلمة "سبيل الله" التي "تسع لكل القيم السامية التي لا يتأتى معها ظلم، أو جور، أو تعسف، أو غدر، أو عدوان بغير حق، أو تضييع لحرية الاعتقاد، أو حرمان من الحق في الاختلاف".

وفي ثنايا أبحاث العلماء أيضا تبرز مقولة أن إنشاء "الدولة الإسلامية" لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار "طريقة حكم النبي والمفاهيم الحديثة للحقوق الفردية: الحق في الحياة، في التعليم، في الاختلاف، وفي الأمن، والمساواة أمام القانون…"، مشددين على أن "كيانا لا إستراتيجية له سوى نشر الرعب في العالم وخلق الفوضى باسم الإسلام لا يمكن في أي حال من الأحوال اعتباره دولة".

من جهة أخرى، أكدت أبحاث الرابطة على الدلالة الواضحة لنصوص الوحي على ضرورة الإحسان لأهل الذمة، مشيرة إلى أن "مفهوم الجزية أصبح باليا اليوم"، لأننا "نعيش في عالم من المساواة، والمواطنة وسيادة القانون، ولا يمكن أن يكون هناك فرق بين المسلمين وغير المسلمين".

‪الكنبوري: البعض يعتبرون المؤسسات الدينية ضعيفة المصداقية لأنها تمثل الدولة‬ (الجزيرة)
‪الكنبوري: البعض يعتبرون المؤسسات الدينية ضعيفة المصداقية لأنها تمثل الدولة‬ (الجزيرة)

تصحيح المفاهيم
وتمثل هذه المواجهة العلمية لفكر التطرف -التي أطلقها علماء المغرب- دفعة أولية قالوا "ستتلوها حوالي عشرين دراسة علمية ستعمل على تفكيك مفاهيم أخرى تم حصرها في 25 مصطلحا".

وتوقع رئيس مركز الدراسات القرآنية للرابطة المحمدية للعلماء محمد المنتار في حديث للجزيرة نت أن "تقريب هذه المفاهيم من جمهور الأمة، وإبداء الموقف الأصيل بخصوصها المنبني على الفهم السليم لنصوص القرآن والسنة سيساهمان في محاربة هذا الخطاب".

وبينما يعتقد محللون أن المبادرة لا بد لها من آليات لتقوية التكامل والتفاعل بين من ينتج ويوفر المادة العلمية، وبين من يتولى ترويجها واستثمارها لكي تصل إلى أوسع الفئات المجتمعية.

ويرى الباحث الأكاديمي في علم الاجتماع الديني رشيد جرموني أن تصحيح المفاهيم سيكون غير مجد إذا لم يقابله التفكير في كيفية التمكين لهذه القراءات ونقلها من مستواها الأكاديمي إلى التواصل السلس مع الفئات المستهدفة بالارتماء في أحضان العنف والإرهاب، وفق تعبيره.

وأكد في حديث للجزيرة نت "على ضرورة ربط هذه المفاهيم "بمفاهيم مفتاحية وهي أن كل الأديان على صواب إلا إذا ثبت بالبرهان خطؤها وزيفها".

من جهته، دعا الباحث في الدراسات الإسلامية ياسين طلعاوي إلى "تعيين مواطن الخلل التي تجعل هذه المفاهيم التي ارتبطت فعاليتها بفعالية عموم الأمة مرتبطة بجماعات مقاتلة تصادرها لصالح أجندات محدودة في الزمان والمكان".

من جهة أخرى، دعا جرموني إلى ضرورة "إعادة الثقة للمواطنين في مؤسساتهم الدينية، وإصلاح خلل جهل أغلبهم لها"، مضيفا أن المبادرة لن تؤدي غايتها بالشكل المطلوب إذا كانت تعبيرا عن اجتهاد لمؤسسة وحيدة، ولم تأت ضمن رؤية إستراتيجية وموحدة ومعقلنة، وفق تعبيره.

واعتبر الباحث في قضايا الفكر الإسلامي إدريس الكنبوري أن الكثير من الشباب -خصوصا الذين تأثروا بالفكر التكفيري في الماضي- ينظرون إلى المؤسسات الدينية باعتبارها تمثل الدولة، ولذلك فإنها ضعيفة المصداقية، على حد قوله.

المصدر : الجزيرة