عباس في القاهرة.. ترتيبات ما قبل واشنطن

A handout photo made available by the Egyptian Presidency shows Egyptian President Abdel Fattah al-Sisi (2-R), meets with US Secretary of State John Kerry (L), Jordanian King Abdullah II (2-L) and Palestinian President Mahmoud Abbas (R) in Sharm El-Sheiikh, Egypt, 13 March 2015. EPA/EGYPTIAN PRESIDENCY/HANDOUT
الرئيسان الفلسطيني والمصري والملك الأردني خلال لقاء جمعهم بوزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري قبل عامين (رويترز)
أنس زكي
 
جاءت الزيارة التي قام بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس للقاهرة والتقى خلالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمس، ضمن سلسلة زيارات ومشاورات عربية تسبق توجه ثلاثة من القادة العرب إلى واشنطن خلال الشهر المقبل.

الترتيبات تبدو قائمة على قدم وساق، خصوصا أن الساكن الجديد للبيت الأبيض أربك الجميع عندما استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منتصف الشهر الماضي وألقى حجرا في مياه بحيرة راكدة هي حلّ الدولتين.

ورغم أن هذا الحل ظل على مدى السنوات الماضية هو المرجع الأساسي للأسرة الدولية من أجل وضع نهاية للصراع الطويل الذي نتج عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عام 1948، فإنه بقي حبرا على ورق، وحاضرا فقط في تصريحات المسؤولين دون أن يكون للواقع منه نصيب.

وجاء الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب ليخص القضية الفلسطينية ببعض مفاجآته الكثيرة، معتبرا أن حلّ الدولتين ليس بالضرورة الحل الوحيد لهذا الصراع وأن مائدة البحث يجب أن تتسع أيضا لحل الدولة الواحدة.

ومع أن ترمب أكد أنه سيؤيد فقط ما يتفق عليه الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، ومع أنه أيضا لم ينفذ ما وعد به خلال حملته الرئاسية من نقل سفارة بلاده إلى القدس، فإن ذلك لم يخفف من وطأة تصريحاته وما أثاره من مخاوف على الساحة العربية.

الرئيس الأميركي استقبل ولي ولي العهد السعودي قبل أيام (رويترز)
الرئيس الأميركي استقبل ولي ولي العهد السعودي قبل أيام (رويترز)

استكشاف
ولذلك كان طبيعيا أن يسعى قادة ومسؤولون عرب لاستكشاف حقيقة نوايا الزعيم الجديد للعالم وحقيقة توجهاته بعيدا عن التصريحات الفاقعة، ولعله أيضا يريد أن يوضح لهم معالم سياساته التي يبدو أنها ستختلف كثيرا عن سياسة سلفه باراك أوباما.

وبعد زيارة قصيرة قام بها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، تأتي مرحلة جس النبض الحقيقي التي بدأت بالفعل بزيارة ولي ولي العهد السعودي إلى الولايات المتحدة قبل أيام، ثم تتوالى بثلاث زيارات عربية متوقعة لواشنطن خلال النصف الأول من أبريل/نيسان المقبل، يقوم بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس.

وضمن مرحلة التجهيز العربي لهذه الزيارات جاءت الجولة الخارجية التي بدأها عباس بزيارة قطر ثم مصر، قبل أن يتوجه إلى كل من ألمانيا وبلجيكا ومن بعدهما إلى الأردن حيث يشارك في القمة العربية المقررة في 29 مارس/آذار الجاري.

دور أميركي
الرئاسة المصرية قالت في بيانها عن اللقاء إن عباس والسيسي بحثا سبل توحيد المواقف العربية بشكل يدعم الموقف الفلسطيني، وقالت أيضا إن مصر تسعى إلى إيجاد حل عادل وشامل يؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 67 وأن تكون القدس عاصمتها.

وشددت القاهرة كذلك على ضرورة اضطلاع الإدارة الأميركية بدورها المحوري في رعاية عملية السلام بما يؤدى إلى استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، موضحة أن القضية الفلسطينية "ستكون محل تباحث بين السيسي وترمب بداية الشهر المقبل.

بدوره أكد عباس حرصه على التنسيق مع مصر خصوصا في هذا التوقيت وقبيل عقد القمة العربية، معربا عن أمله في أن تخرج القمة  بقرارات تدعم وحدة الصف العربي وتوفر حلولا للمشكلات العربية وعلى رأسها القضية  الفلسطينية.

وبينما كان عباس في القاهرة كان أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب يؤكد من جانبه أن ترمب يعتبر عباس "شريكا إستراتيجيا"، وأن الأخير يريد بدوره أن يعمل مع ترمب لتحقيق حل الدولتين.

وتبدو التحركات العربية ماضية في اتجاه محاولة الضغط على واشنطن لدعم حل الدولتين، علما بأن الزعيمين المصري والأردني كانا قد أكدا في القاهرة قبل نحو شهر أن "إقامة دولة فلسطينية إلى جوار إسرائيل "من الثوابت القومية التي لا يمكن التنازل عنها".

وتعد مصر والأردن الدولتين الوحيدتين في الوطن العربي اللتين تقيمان علاقات رسمية مع إسرائيل، علما بأن صحيفة هآرتس الإسرائيلية كانت قد أثارت ضجة عندما كشفت مؤخرا عن لقاء سري جرى قبل نحو عام وجمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بملك الأردن ورئيس مصر بحضور وزير الخارجية الأميركي، وهي معلومات لم تنفها القاهرة أو عمّان.

 محمد دحلان يبدو طامحا لخلافة عباس (الجزيرة)
 محمد دحلان يبدو طامحا لخلافة عباس (الجزيرة)

عباس ودحلان
لكن زيارة عباس للقاهرة ربما حملت بعدا آخر غير الإعداد للزيارات العربية إلى واشنطن، فالعلاقات بين رام الله والقاهرة شهدت توترا في الأشهر الأخيرة بدأ مكتوما ثم خرج إلى العلن في أكثر من موقف.

ورغم تصريحات فلسطينية متكررة عن قوة العلاقات مع مصر، تواترت أنباء وتكهنات تشير إلى أن عباس يشعر بالغضب مما يعتبره محاولات مصرية لدعم غريمه محمد دحلان القيادي المفصول من حركة فتح، ليصبح خليفة له في رئاسة السلطة الفلسطينية.

وتخطى الأمر حد التكهنات عندما استضافت مصر الشهر الماضي فعاليات مؤتمر شبابي فلسطيني أقامه دحلان، ثم أقدمت على منع جبريل الرجوب -الذي يعتبره البعض مرشحا أول لخلافة عباس- من دخول الأراضي المصرية لحضور اجتماع لجامعة الدول العربية.

ولا يبدو معروفا ما إذا كان عباس قد حسم في القاهرة أمر دحلان الذي تتحدث تقارير عن أنه يحظى بدعم إماراتي أيضا، وهو أمر ربما يكون حاضرا أيضا في خلفية زيارته للولايات المتحدة، خصوصا أن إسرائيل عبرت مرارا عن أنها ضاقت ذرعا بعباس، ولعلها تريد وجها جديدا يقدم لها تنازلات جديدة قد تناسب المرحلة المقبلة.

المصدر : الجزيرة